عين الحلوة: قلقٌ من انفجار يدمّر صيدا وجوارها
إبراهيم الأمين -
——————————————————————————–
لقد جرّد أبناء المخيمات في لبنان حتى من الحلم.
لم يعد الامر يقتصر على حرمانهم حق الحياة العادية، ولا حرمانهم أرضهم الاصلية أو التنقل والعمل والهدوء والتطور والازدهار. صار الامر ينال من كل شيء فيهم، من آدميتهم ومن إنسانيتهم، حتى كان المطلوب تحويلهم الى لاشيء، وهذا أخطر ما في الحكاية.
هذه العبارات هي لمفتي صيدا الصديق الشيخ سليم سوسان، الذي يحتل اليوم منصباً له دوره التاريخي في حماية المدينة ووحدتها الاهلية وحتى السياسية. وكان سلفه الراحل الشيخ محمد سليم جلال الدين من أبرز قادة حركة المقاومة ضد الاحتلال بعد اجتياح عام 1982، وكان له الدور الابرز في منع تحويل المدينة الى مكان للاقتتال الداخلي بعدما سعت إسرائيل بألف طريقة الى تحقيق هذه الفتنة، حتى مع شرق المدينة، كان لدار الافتاء دور في تظهير واضح لصورة المشكلة بين كل أبناء المنطقة من جهة وكل عملاء الاحتلال من جهة ثانية، ولم يكن يجد ما يجعله يميّز بين العملاء من الذين سكنوا المدينة القديمة وبين الذين لبسوا علم «القوات اللبنانية». لكن أهم من دور هذه الدار، كان ما يتصل بحفظ المدينة مقراً وممراً ومدخلاً وملجأ لكل المقاومين الذين عرفهم العالم العربي منذ قيام إسرائيل.
وإذ تأثرت المدينة كثيراً بالموجة التي ضربت لبنان مذهبياً وسياسياً خلال الاعوام الثلاثة الماضية، فإن الجهود الفعلية تنصب اليوم على ما يتصل بالوضع في مخيم عين الحلوة، حيث باتت الامور تحتاج برأي فعاليات المدينة الى علاج خاص، لأن الانفجار إذا وقع فلن تقتصر حدوده على مساحة المخيّم الضيقة على أهلها بل ستتجاوزه لتصيب المدينة بكل أحيائها كما ستصيب قرى وبلدات قريبة، حتى ليبدو المشهد عندها أقرب الى حرب أهلية تشارك فيها كل طوائف لبنان ومذاهبه. ولذلك فإن تجاهل الواقع القائم الآن، واستسهال حصر العلاجات بالشق الامني سيكون له أثره المدمر على هذه المنطقة، وستكون له انعكاساته على كل الجوار، من أطراف إقليم التفاح وساحل الزهراني جنوباً حتى قرى شرق صيدا وحارتها شرقاً وصولاً الى المدينة وساحل إقليم الخروب شمالاً، وهو الامر الذي لا يمكن حصره حتى ولو انتشرت عشرات الوحدات العسكرية والامنية. أما إذا كان في عقل أحد ما، بمعزل عن موقعه أو شأنه، سياسياً أو رسمياً أو عسكرياً أو حزبياً، أنه يمكن تكرار كارثة نهر البارد في صيدا، فهذا يمثل الجنون بعينه، ولن يكون بمقدور أحد في لبنان تحمّل نتائجه.
وحتى اللحظة يبدو أن في الجانب اللبناني من هو ملتفت الى هذه المخاطر، وسط معلومات تشير الى اتصالات امنية لكن بطابع سياسي، وهناك من يخشى تدهور الامور نحو الاسوأ، ولكن الامر لا يتوقف عند حدود ما يقال أو ما يبحث عندما يكون هناك ملف امني ساخن. وهناك أيضاً في الجانب الفلسطيني من هو في حالة ذعر إزاء محاولة البعض تبسيط الامر وجعله في حدود مشكلة بعض المطلوبين التي يمكن تسويتها من خلال قوة امنية رادعة. وفي هذا السياق تورد جهات معنية وواسعة الاطلاع، الآتي:
أولاً: إن السلطة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس محمود عباس وقيادة فتح في لبنان، ليست هي الطرف المخوّل بت الأمر في أي حال من الاحوال، وحتى المعطيات الميدانية الموجودة لدى الجميع تفيد بأنه ليس بمقدور فتح، حتى وإن حظيت بدعم سياسي ومادي، أن تحسم الامور لمصلحتها مهما ادعت من قوة ومهما بالغت في الاستعراض.
ثانياً: إن الخلافات داخل تنظيم فتح في لبنان لم تعد مجرد خلافات تنظيمية تحل من خلال مندوب من هنا أو مندوب من هناك، وحتى محاولة حصر الاموال بيد هذا والسلاح بيد ذاك، لن تفيد في إعادة الاعتبار الى هذه القوة ما لم يكن فيها اليوم موقف سياسي موحد، وما دامت صفوفها القيادية تعج بالانتهازيين الباحثين عن ادوار في اي مكان وعلى حساب اي كان.
ثالثاً: على الحكومة اللبنانية المبادرة الى تصنيف واضح ودقيق للوائح المطلوبين داخل المخيم، من لبنانيين وفلسطينيين وجنسيات أخرى، وأن يصار الى تسويات فعلية لا شكلية، وأن يتم الامر بصورة واضحة لا على قاعدة الابتزاز التي تفرض على مطلوب أن يتحول مخبراً عند هذا الجهاز أو عند هذه القوة لقاء العفو عنه، وأن يصار بعدها الى إنهاء ملفات تخص مئات الحالات التي تحولت مع الوقت من حالة فار من ملاحقة أمنية لأنه أطلق النار في عرس شقيقته الى مطارد لأنه شكّل عصابة سرقة وحيازة أسلحة.
رابعاً: على فريق 14 آذار الذي فكر بالاستعانة بالسلاح الفلسطيني على خلفية سياسية أو مذهبية، أن يكتشف أنه أمر غير ممكن التطبيق، وأن كلفة استثماره هي حرب اهلية داخل المخيمات اولاً، وبالتالي فإن أي تفكير جدي لدى الحكومة بحوار مع الفلسطينيين للوصول الى حل يجب أن يقوم مع الشرعية الحقيقية لا مع الشرعية التي قرر جورج بوش اعتمادها.
وأخيراً، تبدي هذه الجهات ملاحظة تتصل بدور القوى التي تضع نفسها في خانة الحليف التاريخي والاستراتيجي للشعب الفلسطيني، إذ إن التعبير عن إنسانيتنا لم يعد يكتمل بإعلان التعاطف والتضامن، فهل من يجرؤ على اقتحام المخيم بشاحنة مليئة بمواد البناء لا بالمتفجرات؟
إبراهيم الأمين -
——————————————————————————–
لقد جرّد أبناء المخيمات في لبنان حتى من الحلم.
لم يعد الامر يقتصر على حرمانهم حق الحياة العادية، ولا حرمانهم أرضهم الاصلية أو التنقل والعمل والهدوء والتطور والازدهار. صار الامر ينال من كل شيء فيهم، من آدميتهم ومن إنسانيتهم، حتى كان المطلوب تحويلهم الى لاشيء، وهذا أخطر ما في الحكاية.
هذه العبارات هي لمفتي صيدا الصديق الشيخ سليم سوسان، الذي يحتل اليوم منصباً له دوره التاريخي في حماية المدينة ووحدتها الاهلية وحتى السياسية. وكان سلفه الراحل الشيخ محمد سليم جلال الدين من أبرز قادة حركة المقاومة ضد الاحتلال بعد اجتياح عام 1982، وكان له الدور الابرز في منع تحويل المدينة الى مكان للاقتتال الداخلي بعدما سعت إسرائيل بألف طريقة الى تحقيق هذه الفتنة، حتى مع شرق المدينة، كان لدار الافتاء دور في تظهير واضح لصورة المشكلة بين كل أبناء المنطقة من جهة وكل عملاء الاحتلال من جهة ثانية، ولم يكن يجد ما يجعله يميّز بين العملاء من الذين سكنوا المدينة القديمة وبين الذين لبسوا علم «القوات اللبنانية». لكن أهم من دور هذه الدار، كان ما يتصل بحفظ المدينة مقراً وممراً ومدخلاً وملجأ لكل المقاومين الذين عرفهم العالم العربي منذ قيام إسرائيل.
وإذ تأثرت المدينة كثيراً بالموجة التي ضربت لبنان مذهبياً وسياسياً خلال الاعوام الثلاثة الماضية، فإن الجهود الفعلية تنصب اليوم على ما يتصل بالوضع في مخيم عين الحلوة، حيث باتت الامور تحتاج برأي فعاليات المدينة الى علاج خاص، لأن الانفجار إذا وقع فلن تقتصر حدوده على مساحة المخيّم الضيقة على أهلها بل ستتجاوزه لتصيب المدينة بكل أحيائها كما ستصيب قرى وبلدات قريبة، حتى ليبدو المشهد عندها أقرب الى حرب أهلية تشارك فيها كل طوائف لبنان ومذاهبه. ولذلك فإن تجاهل الواقع القائم الآن، واستسهال حصر العلاجات بالشق الامني سيكون له أثره المدمر على هذه المنطقة، وستكون له انعكاساته على كل الجوار، من أطراف إقليم التفاح وساحل الزهراني جنوباً حتى قرى شرق صيدا وحارتها شرقاً وصولاً الى المدينة وساحل إقليم الخروب شمالاً، وهو الامر الذي لا يمكن حصره حتى ولو انتشرت عشرات الوحدات العسكرية والامنية. أما إذا كان في عقل أحد ما، بمعزل عن موقعه أو شأنه، سياسياً أو رسمياً أو عسكرياً أو حزبياً، أنه يمكن تكرار كارثة نهر البارد في صيدا، فهذا يمثل الجنون بعينه، ولن يكون بمقدور أحد في لبنان تحمّل نتائجه.
وحتى اللحظة يبدو أن في الجانب اللبناني من هو ملتفت الى هذه المخاطر، وسط معلومات تشير الى اتصالات امنية لكن بطابع سياسي، وهناك من يخشى تدهور الامور نحو الاسوأ، ولكن الامر لا يتوقف عند حدود ما يقال أو ما يبحث عندما يكون هناك ملف امني ساخن. وهناك أيضاً في الجانب الفلسطيني من هو في حالة ذعر إزاء محاولة البعض تبسيط الامر وجعله في حدود مشكلة بعض المطلوبين التي يمكن تسويتها من خلال قوة امنية رادعة. وفي هذا السياق تورد جهات معنية وواسعة الاطلاع، الآتي:
أولاً: إن السلطة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس محمود عباس وقيادة فتح في لبنان، ليست هي الطرف المخوّل بت الأمر في أي حال من الاحوال، وحتى المعطيات الميدانية الموجودة لدى الجميع تفيد بأنه ليس بمقدور فتح، حتى وإن حظيت بدعم سياسي ومادي، أن تحسم الامور لمصلحتها مهما ادعت من قوة ومهما بالغت في الاستعراض.
ثانياً: إن الخلافات داخل تنظيم فتح في لبنان لم تعد مجرد خلافات تنظيمية تحل من خلال مندوب من هنا أو مندوب من هناك، وحتى محاولة حصر الاموال بيد هذا والسلاح بيد ذاك، لن تفيد في إعادة الاعتبار الى هذه القوة ما لم يكن فيها اليوم موقف سياسي موحد، وما دامت صفوفها القيادية تعج بالانتهازيين الباحثين عن ادوار في اي مكان وعلى حساب اي كان.
ثالثاً: على الحكومة اللبنانية المبادرة الى تصنيف واضح ودقيق للوائح المطلوبين داخل المخيم، من لبنانيين وفلسطينيين وجنسيات أخرى، وأن يصار الى تسويات فعلية لا شكلية، وأن يتم الامر بصورة واضحة لا على قاعدة الابتزاز التي تفرض على مطلوب أن يتحول مخبراً عند هذا الجهاز أو عند هذه القوة لقاء العفو عنه، وأن يصار بعدها الى إنهاء ملفات تخص مئات الحالات التي تحولت مع الوقت من حالة فار من ملاحقة أمنية لأنه أطلق النار في عرس شقيقته الى مطارد لأنه شكّل عصابة سرقة وحيازة أسلحة.
رابعاً: على فريق 14 آذار الذي فكر بالاستعانة بالسلاح الفلسطيني على خلفية سياسية أو مذهبية، أن يكتشف أنه أمر غير ممكن التطبيق، وأن كلفة استثماره هي حرب اهلية داخل المخيمات اولاً، وبالتالي فإن أي تفكير جدي لدى الحكومة بحوار مع الفلسطينيين للوصول الى حل يجب أن يقوم مع الشرعية الحقيقية لا مع الشرعية التي قرر جورج بوش اعتمادها.
وأخيراً، تبدي هذه الجهات ملاحظة تتصل بدور القوى التي تضع نفسها في خانة الحليف التاريخي والاستراتيجي للشعب الفلسطيني، إذ إن التعبير عن إنسانيتنا لم يعد يكتمل بإعلان التعاطف والتضامن، فهل من يجرؤ على اقتحام المخيم بشاحنة مليئة بمواد البناء لا بالمتفجرات؟
لا يوجد حالياً أي تعليق